نادية منير





ا«خرج والمفروض يعد» هو معرض جماعي يضم أعمال لنورهان عبدالسلام، آية بنداري، عمر منصور، فريدة راضي، تسنيم جاد، ضحى ابوالعز، فريدة سراج الدين، خالد الدمرداش، حسام جاد، ايمان مجدي ، لينة الشامي، سالي أبو باشا، مريم ضيف الله، كارلوس استرادا رويز، ناهد نصر، عزة سليمان، زينة بلاسي، خالد عثمان، محي الدين يحيى، علي زرعي، إبراهيم محمد ، ياسمينا الكمالي، نادين البنهاوي، طارق عبدالله. المعرض هو نتاج مشروع تشاركي من تنظيم فرح حلابة (انثروبولوجي بالعربي) يطرح بشكل إبداعي تساؤلات عن الهجرة المصرية إلى الخليج. المعرض من تنسيق فريدة يوسف، والذي أقام في مركز الصورة المعاصرة في وسط البلد، القاهرة، ٢ - ٣١ أكتوبر ٢٠٢٢.ا


تخوفت في بداية الأمر من الكتابة عن المعرض لخصوصية موضوعه وتشككي في سهولة الاشتباك معه. ألا أن بمجرد زيارتي لمركز الصورة المعاصرة حيث يُقام، اجتذبني المعرض داخله لأنغمس في المشاريع المعروضة بشكل سريع وعفوي.ا



كما يتردد من خلال الأعمال الفنية المعروضة والنصوص المصاحبة للمعرض، لا تخلو أسرة مصرية من وجود طرف سافر للعمل في الخليج أو هاجر هناك بشكل مؤقت. شهدت ذلك في صغري مع أشقاء أبي، أتذكر سؤالي الدائم عن متى يعودون لزيارتنا من جديد؟ لم أدرك احتمال عودتهم لمصر والاستقرار فيها. غيابهم دائم، الأمل في عودتهم كان فقط في الاجازات حيث الزيارات القصيرة المكثفة، تتجمع العائلة بشكل استثنائي بسبب وجودهم، لتتوقف التجمعات بسفرهم من جديد. إلا أن اسم المعرض «خرج والمفروض يعد» أعاد لي ذكريات ضبابية من أحاديث متفرقة عن تأكيد النية في العودة لمصر كمان كام سنة—الأولاد بس يكبروا شوية ونرجع على طول.ا

يأتي اسم المعرض مستعارًا بشكل فكاهي من فيلم محمد خان الشهير «خرج ولم يعد»، بطولة يحيي الفخراني وليلى علوي وفريد شوقي. وبالرغم من اختلاف مضمون شخصية يحيي الفخراني في الفيلم عن تركيبة الأسرة المصرية المهاجرة للعمل في منطقة الخليج العربي إلا أن اسم الفيلم له مضمون في الثقافة الشعبية يتيح التواصل معه بسهولة وفهم ما يؤول إليه ضمنًا.ا
صورة من العرض، تصوير نادية منير، «خرج والمفروض يعد»، ٢٠٢٢

ا«خرج والمفروض يعد»، عنوان للمعرض ذكي في مضمونه، سريع الاشتباك مع الزائرين، مثله مثل منتج تجاري هدفه جذب الجمهور بما يتناسب مع مرجعياتهم الثقافية والشعبية. على نفس الشاكلة، استطاع القائمون على المعرض من خلال تفاصيل واختيارات فنية في العرض التواصل مع الجمهور بما يظهر وكأنه كرم ضيافة في استقبال الزوار ليؤكد على أن «البيت دايمًا مفتوح للأحباب». فبجانب دفتر التعليقات من الزائرين، تم وضع مسجل صوتي بصورته القديمة «ووكمان» ليستخدمه الجمهور، بدعوة ترك تعليقاً صوتيًا بدلًا من الكتابة. بالرغم من بساطة التفصيلة وارتباطها بسهولة استخدام الرسائل الصوتية بشكلها الحالي، إلا أنها تشتبك معك كمتلقي بشكل مباشر، لما فيها من رمزية وتلخيص لبعض العادات الشهيرة للمغتربين في ذلك الوقت. ا

من هنا جاء الإقبال الكبير على المعرض، ليس فقط لموضوعه المتقاطع مع أسر مصرية كثيرة ولكن أيضًا لوجود تفاصيل وأشياء مفتوحة للتفاعل معها ومع المكان. ساعدت اختيارات قيمة المعرض، فريدة يوسف، في القيام بالوساطة بين الأعمال المعروضة والجمهور الزائر بسهولة وسلاسة. حرصت فريدة وكذلك فرح حلابة، مؤسسة مشروع أنثربولوجي بالعربي وميسرة الورشة التي نتج عنها المعرض، على التواجد شبه يوميًا في مركز الصورة المعاصرة خلال فترة المعرض والتي استمرت شهرًا. وكأن في تواجدهم فرصة لا غنى عنها في التشابك مع الجمهور، مشاركة القصص والتجارب وإتاحة المساحة لتبادل المعرفة الخاصة بتجربة الهجرة المؤقتة. ا



صورة من العرض، تصوير على زرعي، «خرج والمفروض يعد»، ٢٠٢٢


احتوى المعرض على ٢١ عملًا تنوعوا ما بين أعمال فيديو، تجهيزات في الفراغ، كثيرًا من الأرشيف المصور وكذلك تركيبات مسبقة التجهيز. معظم أعمال الفيديو تم عرضها بالتتابع من خلال جهاز تلفاز كبير قديم نسبيًا، يُعرض عليه ٧ أعمال فيديو تتناول فكرة الهجرة إلى الخليج، تعقيدات الغياب عن الأهل، صورة الأب كرمز للأسرة، وتحديات الزواج عن بُعد. تعتبر هذه المجموعة هي أكثر الأعمال تناولًا لنقاش كبير حول إشكالية موجة الأعمال الفنية المنعكسة على علاقتنا بعائلتنا؛ ما هو الخط الفاصل بين إقحامهم في الأعمال ومشاركتهم هذا التدخل؟ كيف لنا أن نعيد سرد وفهم علاقتنا بأهالينا بسهولة؟ كيف يمكن أن يتفهموا استخدام الفن في التعبير عن علاقتنا الإنسانية بهم؟


معظم الفيديوهات قصيرة، استخدمت أساليب مونتاج متنوعة وبسيطة، بُنيت أساسًا على استخدام الأرشيف الفوتوغرافي العائلي بأشكاله المختلفة. تفتح هذه الأعمال التفكير في أهمية الأرشيفات الخاصة كمصدر لتأويل الذاكرة المجتمعية والهواتف المحمولة كمصدر للأرشيف الحي. في تتالي الفيديوهات، شعرت وكأني أشاهد مجموعة من «الريلز» على أي من تطبيقات السوشيال ميديا، كتلك المستخدمة في التيك توك. هناك لغة جديدة في فهمنا للصورة المتحركة متأثرة كثيرًا بالإنتاجات اليومية للميمز والملصقات المقتبسة من مشاهد الأفلام المصرية خاصة تلك في الفترة من الثمانينات حتى الوقت الحالي. هذا المزج بين المشاهد المُصورة وأسلوب التناول، أضاف على الأعمال عنصرًا به شيئًا من الطزاجة والنضارة يعبر عن صراعات هذا الجيل ومحاولات فهمهم لتحديات مروا من خلالها مع أهاليهم، ربما دون وعي كامل في لحظتها السابقة. ا


آية بنداري - الشيالة، تصوير على زرعي،«خرج والمفروض يعد»، ٢٠٢٢

ظهر ذلك أيضًا في عمل آية بنداري «الشيالة» في الغرفة اللاحقة، حيث ظهر وكأنه انفجار لأفكار متناثرة خارج حقيبة سفر. وبالرغم من بساطته في التعبير الفني إلا أنه استطاع أن يعبر عن محاولاتها لتفريغ واستيعاب ذاكرتها وتفاصيل تجربة الغربة. هناك حضور شخصي في معظم الأعمال لفنانيها وكأنها جميعًا بورتريه شخصي ليهم، وهو ما ساعد مجددًا على الاشتباك مع المعرض والمشروع بسهولة. ظهر ذلك في عمل «غير محدد» لعمر منصور، حيث عبر عن كونه طالب طب نفسي من خلال نقل مكتبه إلى ساحة العرض ليعرض مصادر بحثه المطول عن الصحة النفسية للمراهقين عند عودتهم لمصر بعد غياب طويل. يمكنك الجلوس والتفاعل مع أوراقه وملاحظته والإضافة إليها إذا شئت. يظهر المكتب في وضع فوضوي وكأنه يبحث عن شئ مفقود بين مصادر بحثه. ظهر هنا العمل الفني ليس فيما يحويه المكتب ولكن في بحثه عن شئ ما لا يعرفه بعد. ا


ينتقل عرض الأرشيف مع كل غرفة من غرف المعرض من وضع لآخر، فإذا ظهرت أعمال الفيديو بطابع فكاهي وخفيف، تتحرك الأعمال اللاحقة بشكل أكثر ثقلًا، فيه كثيرًا من تخبط التجربة وصعوبة هضمها. في «محل الميلاد: سلطنة عمان» لنورهان عبد السلام، تحدثت باستخدام الوسائط المتعددة
عن فراقها لصديقة الطفولة وصعوبة إجراءات السفر. ظهر العمل بمنظور طفلة حيث تتشابك الأحداث وتتجرد وكأنها حلم. ا



يستمر العمل على استدعاء الذاكرة وانقاذها من النسيان في أعمال فريدة راضي وضحى أبو العز وإيمان مجدي حيث ظهرت أعمالهن كنوع من الألعاب التشاركية التي من خلالها تستحضر ذاكرتك عن الأماكن، اللغة، الطفولة والهوية. فيما جاء مشروع «تلك الذاكرة لا وجود لها» لتسنيم جاد ليخلق سياقًا قد يكون واقعيًا أو متُخيِلًا من خلال إعادة سرد صور التقطها والدها في فترة عمله في الخليج. تدعو تسنيم الزائرين لمشاركة ذكرياتهم معها، أو حتى تلك الذكريات التي لم تحدث بعد ولكنهم يأملون في حدوثها يومًا ما.ا


تغذي هذه المشاريع الاتجاه الملحوظ مؤخرًا في إنتاج أعمال تشاركية مع الجمهور، بالأخص في المساحات الفنية الخاصة. بالبحث قد نجد أنها عادة غير جديدة على الأعمال الفنية المشاركة في معارض محلية كصالون الشباب وبينالي القاهرة، هي ليست بغريبة على طابع هذه المعارض المتسم دائمًا بغرابة حجم الأعمال ومفاهيمها وأيضًا مساحتها سواء إنتاجيًا أو في مساحة العرض. ألا أن ظهوره فيما نطلق عليه مساحات الفن المعاصر المستقل لم يكن بالمنتشر خلال السنوات السابقة كما هو الآن. تظهر الأعمال الفنية بهذا الشكل وكأنها تزيل عبئ ما عن فنانيها، تهدم به صورة الفنان الأوحد وتدعو الجميع لإستكمال العمل، ليصبح للجميع نصيبًا في السرد. ألا أن هذه المجموعة أوحت لي ببعدًا أخر قد يكون مفسرًا لهذا الاتجاه ألا وهو الغياب القوي للمساحات العامة حيث نتلاقى ونتشارك أفكارنا سويًا. بتصفح الرسائل المتروكة لجاد أو قراءة تعليمات لعبة «سيم سيم يا صديج» لضحى أبو العز قد نرى محاولة لغزل نسيج اجتماعي يعبر عن حتمية التلاقي والتواصل مع بعضنا البعض من أجل سرد أوقع لتجربتنا. لدينا الكثير لنحكي عنه ونعيد فهم سياقه ولكن لا يحدث ذلك نتيجة لضيق المجال العام. تستوقفني هذه الأعمال ليس فنيًا ولكن لأهمية فهم وسيطها كقرار إبداعي، يمكنه أن يفتح نقاش ضروري بين كل الممارسين في المجال الفني عن احتياجات هذه الجيل والاتفاق على حلقة وصل بينه وبين الأجيال السابقة.ا

فريدة راضي - رسم خريطة ذاكرة غائبة، تصوير نادية منير، «خرج والمفروض يعد»، ٢٠٢٢

كما تحمل الأعمال في كل غرفة فكرة محددة عن فهم تجربة الهجرة وإن كانت مؤقتة، تسلم كل غرفة للأخرى رمزًا لا يمكن تجاهله. في الغرفة الرابعة هناك حضور قوي لصورة الأب ورمزيته على قمة الهرم الأسري. يعرض حسام جاد في مشروعه «عامل عادي» ثلاث صور بحجم كبير نسبيًا لوالده، مقتطعة من جوازات سفره على مدار السنوات الماضية. رسمية صورة جواز السفر ونظرة الأب الثابتة، خلقت مواجهة مباشرة بين الأب والزائر. أربكتني جديته في الصور، أشعرتني بثقل التجربة، تراكمت في ذهني الأعمال؛ استعدت صوت الأب في فيديو «سمعاني يا أية؟» لزينة بلاسي في أول المعرض حين يوصيها بصوته الثابت بأن تسمع الكلام ومتغلبش ماما. وكذلك صوت ناهد نصر وهي تحاكي والدها في فيلمها «تورتة عيد ميلاد القذافي»، لتصل رمزية الأب لذروتها في عمل سالي أبو باشا «بقى هناك» حيث مثلت فقدها لوالدها في صورة المخطط المعماري للبيت الذي بناه في مصر من أجل عودتهم ولكن لم يحالفه الحظ أن يعود ويستكمله بنفسه. ظهر المشروع وكأنه نصب تذكاري ليس للأب المفقود ولكن للرحلة
وأبطالها. ا


سالي أبو باشا - بقى هناك، تصوير نادية منير، «خرج والمفروض يعد»، ٢٠٢٢

مثيرة قدرة الفوتوغرافيا دائمًا على تثبيت الذاكرة أو استداعائها بشكل فجائي يحمل في طياته تراكمات الزمن. بالرغم من خصوصية المشاريع وارتباطها بذات مُنتجِيها ألا أنها استطاعت أن تعبر الخط الفاصل للخصوصية لتتشابك وتتقاطع مع تجارب أخرى كثيرة لديها ما تقوله ولكن لم يحالفها الحظ والمساحة للتعبير عنه.ا

بدأ مشروع الهجرة للخليج من خلال ورشة استمرت على مدار ثلاثة أشهر، بجانب معرض «خرج والمفروض يعد» هناك أيضًا مطبوعة وبرنامج من الفعاليات عرض تجربة الهجرة إلى الخليج من زوايا مختلفة، فتحت الفرصة للحديث والنقاش مع الجمهور وأعطت أهمية لمشاركة التجربة في حد ذاتها، وكأن في الحكي فرصة لإعادة تفسير تأويلات الذاكرة والتاريخ الجمعي ليؤكد على تشاركية المشروع ومساهمة الجميع في إنتاجه فنيًا ومعرفيًا. ا



نادية منير، فنانة بصرية من مواليد ۱۹۸۸ تعمل بالتصوير الفوتوغرافي والفيديو. تهتم من خلال عملها بتمثيل الذات واستكشاف جوانب الحميمية والرقابة وتمثيلات الذوات رقميًا وأداء الجسم في المجالين العام والخاص. بصفتها ممارسة ثقافية على مدار السنوات العشر الماضية، فهي متحمسة لأنماط التعاون والعمل الجماعي وبرامج الفن البديل. هي جزء من مجموعات فنية مختلفة تهتم بالمدينة وإنتاج الصور والأمومة وسياسة التمثيل. حصلت على زمالة معهد جوته في أكاديمي شلوس سوليتيود في ۲۰۱۸ (ألمانيا) ومشاريع براونشفايج في جامعة براونشفايج للفنون في عام ۲۰۱۹ (ألمانيا). عُرضت أعمالها في متحف ريتبرج بزيورخ في ۲۰۱۹، ومتحف التصوير الفوتوغرافي في ٢٠١٢. كما شاركت في عدد من المعارض والمهرجانات المحلية والدولية مثل فوتو كايرو النسخة السادسة في ۲۰۱٧ بالقاهرة، وبينالي مراكش السادس في ٢٠١٦ و«الاستقلال الذاتي» في ٢٠١٥ بلندن.


 🇵🇸 We Will Not Stand by in Silence: ︎︎︎ Read the Statement & Add your Name to the Signatories ✦ 🇵🇸 Read the latest text by Karim Kattan, At the Threshold of Humanity: Gaza is not an Abstraction ✦ 🇵🇸 Visit our page Resources for Palestine for a compilation of texts, films, podcasts, statements and ways to donate. Arab Artists Now: A Tale Makes a Turn: Feminist Legacies Open Call for Artists
🇵🇸 We Will Not Stand by in Silence:  ︎︎︎ Read the Statement & Add your Name to the Signatories🇵🇸 Read the latest text by Karim Kattan, At the Threshold of Humanity: Gaza is not an Abstraction  ✦  🇵🇸 Visit our page Resources for Palestine for a compilation of texts, films, podcasts, statements and ways to donate. Arab Artists Now: A Tale Makes a Turn: Feminist Legacies Open Call for Artists  ✦