
سها السرجاني
ا"تفَكُك" هو معرض فردي للفنانة المصرية هدى لطفي، أُقيم في جاليري "الخط الثالث" في دبي في الفترة من ١٥أبريل إلى ٨ يونيو
٢٠٢٥.ا
قدمت الفنانة هدى لطفي مؤخرًا معرضها الفردي "تفَكُك“ في جاليري "الخط الثالث“ في دبي، والذي جمع أعمالاً من أحدث مشاريعها: "عندما تنادي الأحلام إلى الصمت“ (2019)، "أدوات الشفاء“ (2020)، و"خيطنا الأسود“ (2021). رغم اختلاف وسائط هذه المشاريع ومراجعها، فإنها جميعًا تتصل بتأملات هدى العميقة في الموت والشفاء والبحث عن الثبات الداخلي. المشروع الأول يتضمن مجموعة خيالية من التركيبات واللوحات والفيديوهات، أما المشروع الثاني فهو سلسلة من الكولاج الورقي التجريدي، في حين يقدم المشروع الثالث أعمالًا دقيقة وبسيطة من الخيوط والأقمشة. بعض من الأعمال يُعرض للمرة الأولى، وبعضها يمثل مراحل جديدة من مشاريع مستمرة. يقدم هذا المعرض، الذي يعتبر معرضًا استعاديًا جزئيًا لأعمال الفنانة، فرصة للتوقف قليلاً والتأمل في كيفية إثراء هذه
الأعمال لمسيرة الفنانة المصرية التي لطالما كانت قلبها قريبًا من نبض العالم من حولها. ا



بين السطور
عندما سألت الفنانة عن سبب اختيارها عرض مشاريع سابقة بدلاً من أحدث أعمالها، أجابت: "أحيانًا يفوت المرء بعض المعاني، وعند إعادة النظر فيها يمكن رؤية روابط جديدة.“ ساعدت بعض اختيارات العرض في "الخط الثالث“ على تجسيد هذه الروابط. فقد تم توزيع أعمال المشاريع الثلاثة في جميع أنحاء المساحة، مما أتاح تقاطعات مثيرة للاهتمام. على سبيل المثال، عرض حقيبة جلدية مهترئة مليئة بالدمى القديمة – من مشروع "عندما تنادي الأحلام إلى الصمت" – على الأرض بين عملين من "خيطنا الأسود"، سلط الضوء على الحس المادي الملموس في أعمال هدى وعلى ارتباط الجسد بالقماش، سواء عبر ارتدائه أو حياكته.ا
هناك عنصران متكرران في المعرض وهما استخدام الهياكل الخشبية وترتيب مجموعات الأعمال في شبكة. وجود هيكل خشبي كبير يعمل كإطار مبالغ فيه لنسيج رقيق معلق في لوحة زجاجية بعنوان "خطوط و عُقَد“. يمكن للزوار النظر من خلال القضبان لمشاهدة العمل التركيبي "طفو“ – تماثيل ورقية مغلفة بالقماش تتدلى بخيوط كدمى الماريونيت – في لحظة طريفة تتداخل فيها المشاريع مكانيًا وموضوعيًا. على جدار قريب، تُعرض مجموعة من أعمال البريكولاج الصغيرة، التي سبقت مجموعة "أدوات الشفاء“، مُرتبة في شبكة على الجدار، بينما نجد في مكان آخر من المعرض أعمالًا خيطية مُصغرة مصنوعة من أكياس شاي من الأورجانزا، مُجمعة في إطار واحد ومُرتبة أيضًا بدقة في شبكة. ا
تقول هدى: "الأعمال التمهيدية لأدوات الشفاء هي أقرب قليلاً إلى قطع الخيط لكونها أكثر عفوية، وتتمتع بحرية اللعب بالشكل والتجربة بسهولة أكبر.“ وبينما تربط هذه الشبكات والمربعات والخطوط بين الأعمال بصريًا، فإنها تقلل من ذلك الإحساس الحالم والمرِح الذي تتميز به أعمال هدى. تظل لمحات منه حاضرة على الجدران المطلية باللون البنفسجي الفاتح، والتجمعات الطبيعية لإطارات مجموعة "الأحلام“، والتي تشبه جدار معرض منزلي. هذا الترتيب يحاكي أيضًا العرض الأصلي للمشروع عند انطلاقه في القاهرة عام 2019، حيث وضعت الفنانة كرسيًا من منزلها لتثير هذا الارتباط الشخصي. ا


مع هذا الارتباط القوي بالسياق المحيط، يصعب النظر إلى أعمال هدى منذ 2019 دون استحضار مشاريعها السابقة ذات الطابع الاجتماعي والسياسي. ولعل هذا التباين بين العوالم الخارجية والداخلية – بين سخرية سياسية واثقة وتأمل ذاتي مراوغ – هو ما يجعل مسيرتها الفنية آسرة إلى هذا الحد. إنها من الفنانات اللاتي يرفعن مرآة أمام الواقع. لكنها منذ سنوات تميل بهذه المرآة نحو الداخل. وقد كان لقائي الأول بهذه المرآة في افتتاح معرض "عندما تنادي الأحلام إلى الصمت“ في القاهرة: ا
في طريقي إلى مركز التحرير الثقافي، كنت أسرع وسط الضجيج والزحام الخانق الذي يميز وسط البلد في القاهرة، وهو نفس الخلفية التي تُلهم أعمال هدى. مررت مسرعة بجوار ضباط الشرطة الذين ظهروا في أعمالها من الكولاج لعام 2010، وبجانب واجهات المتاجر التي تضم تماثيل العرض التي كثيرًا ما تستخدمها هدى، بعضها متأنق أكثر من اللازم، والبعض الآخر مكسور الأطراف ومتكئ على بعضه بشكل غير مريح. لكن الأهم من ذلك أنني مررت بأجساد وأجساد وأجساد من الناس، بعيونهم وشفاههم وآذانهم، مررت بأحلام وقصص لا أعرف عنها شيئًا. وصلت إلى المعرض ووجدت معظم هذه العناصر في الكولاج والتركيبات. أما ضباط الشرطة فقد اختفوا. ا
دورات الشفاء
رغم إغراء المقارنة بين أعمال هدى الحالية والسابقة، هناك منظور مختلف لفهم تباين مساراتها. هل من الممكن أن تكون كل أعمالها – سواء كانت سياسية أم لا – مُشبَّعة بشكل من أشكال الأسي؟ ربما هي أنواع خفية من الأسي تعبّر عنها من خلال المواد التي تختارها، ومن خلال طقوس عملية الإنتاج الفني ذاتها. ا
حمل مشروع "عندما تنادي الأحلام إلى الصمت“ تلميحًا خفيًا إلى المناخ السياسي المقيد المتزايد بمصر، وقد رأى البعض ذلك في العنوان، لكن هدى نفسها ذكرت في مقابلات أن العمل يتأمل "الصمت المفروض“ مقابل "الصمت الذي نجده داخلنا.“ كان هناك حزن على بعض الحريات، أو أمل لمستقبل مختلف، وهو ما كان في أذهان كثير من معاصريها إن لم يكن واضحًا في العمل نفسه. كما حمل المشروع أيضًا حزنًا على ذاتها المستقبلية، كما يتجلى في لوحة مثل "النظرة الأخيرة“ التي تتأمل فيها موتها المستقبلي بأسى. ا
عند تنفيذها لمشروع "خيطنا الأسود“، جلست هدى في منزلها تخيط بتأمل على أقمشة أكياس الشاي الصغيرة، وسط أجواء جائحة وُسِمَت بالحزن الجماعي على أشياء فقدناها: الصحة، المجتمع، التواصل، الوضوح، الزخم. أما "أدوات الشفاء“ فقد بدأته بعد إصابة والدتها بجلطة دماغية، خلال نفس الجائحة، وسط تردد أفكار عن الموت عن الموت في ذهنها. ا
تقول هدى: "كانت أمي خيّاطة، كانت تصنع ملابسي وكنا نعمل معًا على الباترونات. رأيتها دائمًا نشيطة.“ هذا السياق الأسري يُلامس نوعا من الحزن يعرفه كل من شهد تدهور صحة والديه قبل رحيلهم، حيث فقدان الصورة التي نحملها عنهم، وهو فقدان أكثر بطئًا وليس أكثر سهولةً. يحمل نهجها في استخدام البريكولاج صلة متأصلة بعملية الحزن، عبر قطع لوحاتها القديمة وإعطائها حياة جديدة على أوراق يدوية من ورق الذهب أو الفضة، تُستخدم في ممارسة الطقوس. تقول هدى: "بدأت أفكر أن 'أدوات الشفاء' مشروع يمكنني العودة إليه عندما أحتاج إلى شفاء. العملية بحد ذاتها شفاء.“ ا


في الواقع، بدأت هدى مسيرتها الفنية استجابة لألم جسدي بعد عملية جراحية، في عملها الأول الشهير "امرأة مقطوعة نصفين“ عام 1991. أما في "عفريت الليل ابو سبع رجلين،“ وهو أحدث عمل فيديو ضمن المعرض، فإن هدى تستحضر الحزن مرة أخرى بينما تخلّد ذكرى والدتها المتوفاة. نرى في الفيديو يدي والدتها العاملتين، الهشّتين المتجعدتين، تكرران حركات الخياطة وهي جالسة على السرير، دون أن تمسك شيئًا. التكرار والطمأنينة الذاتية والذاكرة والألفة والطقوس هي موضوعات متكررة في أعمال هدى، تتقاطع في هذا الفيديو البسيط المفعم بالمشاعر. الفيديو هو تمهيد لأعمالها القادمة ضمن نفس التوجه، والتي ستضم مقتنيات من أرشيف عائلتها وأعمالًا نسيجية. ا
تقول الفنانة: "العمل على العائلة صعب، ليس فقط بسبب المشاعر المتناقضة مثل الذنب والغضب والحب والرعاية، بل لأنه من الصعب تدمير أو إعادة استخدام قطع من مقتنيات العائلة. إنها عملية تخلٍّ عن المتعلقات.“ ا
من المقاومة إلى الصمود
توفر تأملات هدى الهادئة لحظة سكون ومقاومة في وجه عالم يتسم بالضجيج والسرعة والتشويش. ا
"أحببت كم أن هذا مريح،" سمعت شابة تقول لصديقها وهي واقفة أمام تركيب "طفو“. ا"... مزعج قليلًا، ألا تظنين؟... يتدلى بهذه الطريقة... ربما أفضل هذا العمل...“ يضيف شاب آخر لصديقين بأزياء زاهية. ا
لا تجاهر أعمال هدى في معرض "تفَكيك،“ لكنها تنساب إلى داخلك، لتطاردك، أو ربما لتهدّئك. ا



سها السرجاني،
فنانة بصرية و كاتبة فنية من مصر، حصلت على بكالوريوس في الفن من الجامعة الأمريكية في القاهرة. تم عرض أعمالها الفنية في عدد من المعارض الجماعية في مصر ولندن وفنلندا وألمانيا، وحصلت على جائزة الفيديو في الدورة الخامسة والعشرين من صالون الشباب في القاهرة. نُشرت كتاباتها الصحفية في جريدة الأهرام أونلاين، و كوميونيتي تايمز، بالإضافة إلى ماريوت ترافيلر. أسست آرتليت ستوديو في عام ٢٠١٨، وهو خدمة كتابة تساعد الفنانين على تقديم أعمالهم بشكل محترف.ا
