عودة جورج باجالية
ا«قطع غيار» هو معرض فردي لنسيم رياض ازارزار، يضم أعمال مستوحاه من بحثه وممارسته المستمرة بالإضافة إلى نتائج الإقامة الفنية في الشقة ٢٢ في الرباط، المغرب. يمتد من ٢٦ أغسطس إلى ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٢.
ا
«لا شيء ورائي، كل شيء أمامي، كما هو الحال دائمًا على الطريق.»
جاك كيرواك، على الطريق، ١٩٥٧.ا
ا
يأتي معرض نسيم رياض أزرزار استكمالًا لبحث استمر لسنوات عن الشفرات والعلامات والرموز على شاحنات نقل البضائع المغربية. وُلد «طريق السلامة» –كما يُطلق على المشروع بأكمله– من الاستفسارات الأولية للفنان حول اللغات العامية للتصميم والجماليات الغير رسمية، وإضفاء الطابع الرسمي عليها وتداولها في ٢٠١٨. من خلال الإقامات الفنية والمعارض والبحث، اتخذ عمل أزرزار على الموضوع أشكالًا متعددة مثل الإسقاطات الرقمية واللوحات والرسومات الحميمية. أقول حميمية لأن بعد أن رأيت عددًا من هذه التكرارات، أدهشني حميمية هذا المعرض. يبدو الأمر كما لو أن الزائر مدعو إلى استوديو أزرزار ليرى ثمار عمله المستمر على مدى السنوات الأربع الماضية. في الواقع، تبدو الرسومات والدفتر المعروض بجانبها بمثابة دعوة إلى عملية البحث والممارسة المستمرة للفنان. ا
يتكون المعرض من ٤٠ رسمة بالاقلام الملونة التي تصور العلامات والرموز التي جمعها أزرزار على مدى سنوات بحثه في جماليات الشاحنات المغربية واللغات العامية البصرية لسائقيها ومصمميها. إلى جانب ذلك، يُظهر دفتر ملاحظات الفنان تأملاته اليومية حول الموضوع مع رسومات سريعة تم إجراؤها لوضع تمثيل بصري للتأملات السيميائية على الورق. وتتراوح الرسومات من التكرار المباشر للأشكال التي تزين هذه الشاحنات إلى انعكاسات أرجوانية وبرتقالية وخضراء وردية داكنة للآفاق التي ينظر إليها مثل هؤلاء السائقين لساعات متتالية، والتي تزين أحيانًا المصدات الخلفية للشاحنات. تتكرر الأشكال والرموز عبر الرسومات وعبر السنوات الأربع التي عمل عليها أزرزار. البحث عن منطق الصورة هو بمثابة بحث خاطئ عبر إطارات نمط كتاب الرسوم المصورة. بدلاً من ذلك، قد يفكر المشاهد في ترك بصره يتجول من رمز إلى رمز ويترك الحركة من نقطة إلى خط إلى منظور ترسم خياله إلى الآفاق بعيدًا عن حدود الإطارات. في حين أن تكوين القطع على الجدران قد يدعو إلى رغبة لإيجاد بعض الترتيب أو المنطق لتكرار الرموز، فإن هذا بصراحة، يخطئ الهدف. التكرار هو المنطق. إن ترتيب وجود هذه الرموز هو طرق تداولها، وليس هيكلًا سرديًا. ا
(تصوير: نسيم أزرزار) شكل العرض، دفتر الفنان
(تصوير: نسيم أزرزار) شكل العرض، رسوم بالأقلام الملونة
في وسط المعرض، توجد سقالة سوداء كبيرة –١٣٠ سم × ١٢٠ سم × ٥٠ سم– مثبتة على عجلات. تستحضر السقالة المواقع المنتشرة في كل مكان للمباني تحت الإنشاء في جميع أنحاء البلاد، وذلك بتعاون أزرزار مع صانع الحديد عبد الرحيم في مستودع إنتاج الشقة ٢٢ في فاس. مدهونة باللون الأسود الغامق، تجذب الخطوط السقالة الأنظار إلى منظور الزوايا التي تظهر في العديد من الرسومات. صدى أحدهما للآخر –انعكاس الرسومات باللون الأسود، وظلال الخطوط السوداء الممتدة على جدران الرسومات وعبرها، وعين المشاهد التي تنتقل عبر خطوط السقالة مثل العدسة التلسكوبية باتجاه الرسومات– تتربع القطعة في توتر ليس من السهل استيعابه. قد يميل المرء إلى التساؤل، كيف تتلاءم هذه الأجزاء معًا؟
يقدم اسم المعرض، «قطع غيار» باللغة العربية، مفتاحًا للغز. مثل صفوف ورفوف قطع الغيار التي تصطف داخل مرآب الميكانيكي، قد تكون إحدى القطع من سيارة معينة، وجدت نفسها بشكل مؤقت بجوار قطعة من سيارة ثانية، فقط لتجد منزلاً في سيارة أخرى. إذا كانت الخطوط تقدم منظورًا للآفاق المرسومة على العديد من الشاحنات بحد ذاتها انعكاسات لمنظور السائق أثناء القيادة على الطريق، فإن ظهورها في رسومات ودفتر أزرزار يتوقف فقط على طريقهم فصاعدًا. ينطلق أزرزار من اهتمامه بما يسميه «الجماليات العامية»، على الرغم من أننا قد نقدم هنا أيضًا «جماليات المركبات». إلى جانب التلاعب الواضح بالكلمات، يثير عمله أسئلة حول التداول والتنقل والتكرار. في أعمال سابقة للفنان، استجوب مبادئ الهندسة الإسلامية والأنماط مع أعمال آلان تورينج «الآلة المؤتمتة»، والتي عُرفت فيما بعد باسم آلة تورينج، والتي تربط إنتاج الأنماط الحسابية الرقمية بالحسابات التكرارية العشوائية للآلات الحديثة. كل تكرار لرمز أولي ينحرف قليلاً عن الأخير، مما يؤدي في النهاية إلى حركة حسابية. هنا، تقليدًا لكيفية نقل الشاحنات للرموز والسلع من جانب إلى آخر في المغرب، فإن رسومات أزرزار هي المركبات التي تستمر بها هذه العلامات في التداول جماليًا.
ا
شكل العرض، السقالة ١٣٠ × ١٢٠ × ٥٠ سم (تصوير: نسيم ازرزار)
فيما يتعلق بمفهوم الجماليات العامية، ربما لاحظ مشاهدين عفويين آخرين للفن المغربي المعاصر مثلي، ميول بعض الفنانين اليوم لإعادة الاستثمار في اللغة البصرية والجمالية للحرفيين في البلاد من أنواع عديدة، فضلاً عن ما هو عامي في الشوارع. يعني هذا في بعض الأحيان إعادة تدوير، أو إعادة إستخدام عمل الحرفيين. في أوقات أخرى، يعني ذلك البحث أو أخذ الإلهام من مثل هذه الأعمال. ما يذهلني في عمل أزرزار، حتى لو كان يمكن اعتباره جزءًا من هذا الاتجاه الأوسع، هو صراحة العمل في شكل التقليد. مثل جميع أشكال الإرسال الآلي، من الفاكس إلى النسخ، يؤدي كل تكرار جديد أو تقليد إلى الانحلال. الصورة المرسلة عبر واتساب في طريقها للانحلال مع كل إرسال جديد. الانحلال، على الرغم من أنه قد يبدو غريبًا، لكنه متأصل في التنقل. يحتضن عمل نسيم هنا هذا الانحلال ولا يستسلم لغريزة الحفاظ على التحول ووضعه في صندوق زجاجي متحفي. قطع غياره، ممتزجة ومختلطة معًا وجاهزة للاستخدام مرة أخرى في سياق جديد. ا
فيما يتعلق بمفهوم الجماليات العامية، ربما لاحظ مشاهدين عفويين آخرين للفن المغربي المعاصر مثلي، ميول بعض الفنانين اليوم لإعادة الاستثمار في اللغة البصرية والجمالية للحرفيين في البلاد من أنواع عديدة، فضلاً عن ما هو عامي في الشوارع. يعني هذا في بعض الأحيان إعادة تدوير، أو إعادة إستخدام عمل الحرفيين. في أوقات أخرى، يعني ذلك البحث أو أخذ الإلهام من مثل هذه الأعمال. ما يذهلني في عمل أزرزار، حتى لو كان يمكن اعتباره جزءًا من هذا الاتجاه الأوسع، هو صراحة العمل في شكل التقليد. مثل جميع أشكال الإرسال الآلي، من الفاكس إلى النسخ، يؤدي كل تكرار جديد أو تقليد إلى الانحلال. الصورة المرسلة عبر واتساب في طريقها للانحلال مع كل إرسال جديد. الانحلال، على الرغم من أنه قد يبدو غريبًا، لكنه متأصل في التنقل. يحتضن عمل نسيم هنا هذا الانحلال ولا يستسلم لغريزة الحفاظ على التحول ووضعه في صندوق زجاجي متحفي. قطع غياره، ممتزجة ومختلطة معًا وجاهزة للاستخدام مرة أخرى في سياق جديد. ا
يمكن قراءة هذه الملاحظات، حول التقليد والانحلال، على أنها ازدراء. لا أنوي أن يكونوا كذلك، بل أستحضر ما تحدث عنه عالم الاجتماع الفرنسي غابرييل دي تارد باعتباره الأشكال الثلاثة التي يحدث بها التغيير الاجتماعي والثقافي: الابتكار والتدخل والتقليد. عادة ما يُفهم التدخل والتقليد، مثل الانحلال، على أنهما قوى مفسدة. هنا، قد نذكر أنفسنا أنه قبل أن يصبح التقليد تقليدًا مقننًا، فهو مجرد سلسلة من الممارسات المقلدة. هذه العلاقة مقننة في اللغة العربية، بين صيغ المفرد والجمع لنفس الجذر: التقليدد والتقاليد. تأمل أزرزار في هذه العلاقة خلال مشاركته في نسخة ٢٠١٧ من مهرجان «يوماين» في طنجة عندما استكشف موضوع التقليد للمهرجان من خلال جدارية زليج كبيرة معلقة مصنوعة من أنماط مصورة تم إنشاؤها عن طريق الأتمتة، وحيث تعرفت على عمله لأول مرة. في «قطع غيار»، يرسخ الفنان التزامه بالقوى المتدهورة للتدخل والتقليد، ورفع الإفراج المشروط إلى شكليات اللغة وعدم تركها منفصلة اجتماعيًا وسيميائيًا، كما كان من الممكن أن يرى اللغوي السويسري البنائي فرديناند دي سوسور.
ا
شكل العرض، رسوم بالأقلام الملونة
(تصوير: نسيم أزرزار)
في الختام، قد نفكر الآن في كيفية استمرار نمو هذه الجماليات العامية وجماليات المركبات ومن أين تظهر. العلامات، في جوهرها، موجودة فقط بقدر ما يتم تداولها. قد تكون جودتها المرجعية فضفاضة وزلقة –فتنزلق علامة انزلاق فقط عندما تتحرك بسلاسة إلى مؤشر جديد للمعنى– لكن حركتها جزء لا يتجزأ من جودتها السيميائية. من خلال الجمع بين ثلاث مراحل من عمله على هذه اللافتات -–دفتر الملاحظات ورسومات الأقلام الملونة والسقالة السوداء– يدعونا ازارزار هنا إلى الاهتمام بالصفات الحالية للعلامات التي بذل جهدًا كبيرًا في توثيقها بدقة وكذلك تخيل مستقبلها للتداول. كي لا ننسى: السقالات، مثل المركبات التي ظهرت منها بشكل دائري، هي أيضًا على عجلات وجاهزة للتجول. طريق السلامة! ا
دكتور عودة جورج باجالية،
هو أحد المديرين المؤسسين لمهرجان «يوماين» بطنجة بالمغرب، وعالم أنثروبولوجيا مهتم بمسائل الزمن والحدود والسيميائية، وممارسات وسياسات الانتماء والاختلاف. الانتظار على الحدود: اللغة والعمالة والبنية التحتية في مضيق جبل طارق، هو مشروع كتابه الحالي الذي يتناول الأشكال السياسية والاجتماعية والثقافية التي تظهر خلال الوقت الذي يقضيه في الانتظار بين العمال العابرين للحدود والمهاجرين الذين يعيشون ويعملون حول الحدود المغربية الإسبانية. باجاليا أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة ويسليان بالولايات المتحدة الأمريكية وحصل على درجة الدكتوراه. من قسم الأنثروبولوجيا بجامعة كولومبيا.ا