معاد البيساوي



شارك في إقامة «دايز» الفنية كل من الفنانين صفاء القاضي، أميمة أبوزيد السوعلي، وأيمن الراشيدي، والتي أقيمت في مساحة مستقلة في مدينة تطوان، وأقيم الأستوديو المفتوح للإقامة الفنية ما بين ٢٩ - ٣١ أكتوبر ٢٠٢٢.ا


صفاء القاضي، أميمة أبوزيد السوعلي، وأيمن الراشيدي، ثلاثة فنانين من خريجي دفعة ٢٠٢١ من المعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان. درسوا معًا، وتشكلت هوياتهم ومعارفهم الفنية في بيئة واحدة، إلا أنها اختلفت وتباعدت، ومع ذلك يمكنني الإنتباه إلى العديد من النقاط المشتركة بينهم، بحكم التكوين الواحد الذي أنتج أساليبهم الفنية. لقد كنت شديد المراقبة لحياتهم داخل المعهد خلال سنة دراستهم الأخيرة، حينها كنت طالبًا بالسنة الثالثة، وبحكم الصداقة كنت أتردد كثيرًا على ورشة عملهم المشتركة. ويمكنني الآن أن أدرك إمتدادات لما كنت ألاحظه آنذاك عن اهتماماتهم الفنية وطرق اشتغالهم.ا

أيمن يشغل المساحة الأكبر، يلتهم الفضاء، يجازف ويتجرأ على المواد والأحجام، الشيء الذي تبرره أسئلته حول المجال الجغرافي الذي نشأ فيه، الطبيعة الصحراوية الرملية. أما صفاء فتبني داخل الورشة غرفة بلاستيكية تعمل بداخلها، وقد كتبت على بابها «قاعة الولادة»، فنحن ممنوعون من الدخول. إلا أننا نفهم ارتباطها الروحي بتجاربها الفنية، هذا ما يبرر اندفاعها إلى بحث جمالي تشكيلي، بتجربة كل ما يمكن من المواد والوسائط من أجل إرضاء ذائقتها الفنية. وأميمة تراها منشغلة على الدوام في مساحة صغيرة بتنقيط كراتها البيضاء الكثيرة، تغني، تقرأ، وتستدعينا لنشاركها ملأ تلك الكرات بالنقاط، ومشاركتها ذلك الإحساس بالمجهول واللامنتهي.ا

وعلى العموم، فإنني أعتقد أنهم يتشاركون الرغبة ذاتها في إنتاج ظروف فنية معتدلة، فما يحقق لنا الدهشة، وينقلنا إلى مقامات حسية راقية، هو ظرف ما، متزن وصاف ومتخفف من كثرة الأسباب، يجيبنا على سؤال واحد، ولا يراوغ في الدوافع كي يبرهن نفسه. هكذا أرى عملًا في مكان وزمان يستطيعا أن يضماه بارتياح وألفة. تشعر وكأن لوحة ما نمت معلقة على الجدار الذي يعرضها أو استانسته. وقد يكون من العصي علينا للوهلة الأولى ونحن نقف أمام عمل وظرف (زمان - مكان) قد تواءما أن نبرر دهشتنا بأحدهما دون الٱخر إذا تأملنا في ذلك مليًا، لا يمكن تجاوز هذا الإرتباط ولا تجاهله.ا

وهذا ما حققه الفنانين الثلاث في الأستوديو المفتوح القائم على أبحاث شهران من الإقامة المشتركة، حيث اختاروا لأنفسهم هذه التجربة بعد سنة من التخرج. أعادوا من خلالها إحياء زمن العمل المشترك بورشات المعهد، وهم واعون بأنهم مجبرون في كل مرة على العبور، فلا يستمر من تجاربهم إلا الأثر. فأطلقوا على أنفسهم وعلى إقامتهم إسم "دايز - DAYZ" وهي كلمة بالدارجة المغربية تعني "عابر"، كما يمكننا فهم المعنى الصوتي لها باللغة الإنجليزية "أيام - DAYS". وقد سمحوا لنا بالعبور أيضًا من فضاء إقامتهم واكتشاف بحوثهم الفنية في شقة فُصلت لتضم ثلاثة عوالم لا صلة تجمع بينها، وكل الأسباب تستدعيها لفضاء واحد. شقة أنيقة متوازنة، متكونة من ثلاث غرف بمساحات ومستويات أرضية مختلفة، تجعلنا نشعر بالانتقال من فضاء لآخر وتهيئنا لتلقي أعمال أخرى. الممر الرئيسي يصل بنا إلى نقطة المنتصف، فلا نشعر بالانجذاب إلى فضاء دون الآخر. نظل أحرارًا في اختيار أي من الغرف نبدأ باكتشافها أولًا.ا



الأستوديو المفتوح لإقامة «دايز» الفنية، تصوير: معاد البيساوي


صفاء القاضي في غرفة يزيد طولها عن العرض وترتفع أرضيتها أربعون سنتمترًا، جدرانها ناصعة البياض وبها نافذة منخفضة في الركن الأيسر. تضم الغرفة أعمالًا وتجارب شاعرية ترصد من خلالها الفنانة إحتمالات حركية جمالية متعددة لفتات الحديد داخل مجالات مغناطيسية. تروض هذه المجموعة المتعددة من الأبحاث البصرية معارف فيزيائية مهمة، كي تصبح وسيطًا تشكيليًا قادرًا على استيعاب الاندفاع الجمالي للفنان. إن الدهشة التي تصيبنا أمام هذه التجارب الفنية التي أنجزتها صفاء تعد شديدة التقارب من انبهار طالب يطّلع على تجربة علمية للمرة الأولى. وإنما أرى أن الإنبهار الفني لا يجب أن يعتمد فكرة الإطلاع للمرة الأولى وفقط! عكس ما قد نشعر به للوهلة الأولى أمام تجارب تتجاوز فيها صفاء التجربة الفيزيائية إلى التجربة الجمالية الحسية، حيث يبدوا اندفاعها نحو إنتاج زمن تأملي ما واضحًا، لا يبني على قوة الحركة التي تنتجها المجالات المغناطيسية وإنما على إمكانيات وتساؤلات تشكيلية تتجاوز ذلك. هي الحركة والزمن الذي ينقل العمل الفني المعلق من مفهومه الكلاسيكي بما هو التقاط وتجميد، إلى خلق التغير المستمر أو المتكرر داخل العمل.ا
جزء من أعمال صفاء القاضي، تصوير: معاد البيساوي

وتلك نقطة تتلاقى عندها جل الأعمال التي تُعرض في الفضاءات الثلاث. فقد اختار أيمن الرشيدي في الغرفة المقابلة على اليسار، بنافذة مركونة على الحائط الأيمن، أن يعرض عملًا يدعونا للعودة لاحقًا لاستكشافه بهيئة أخرى. يتكون العمل من جسد مستنبت من بذور حب الرشاد على سرير مقابل للنافذة، ومجموعة من الرسومات بالرصاص وبهذه البذور. يطرح أيمن الرشيدي من خلال العمل أسئلة حول المجالات الجغرافية الطبيعية، التي تشكل جزءً من هوية الإنسان وشخصيته. هذه الأسئلة التي تتشكل لدى أيمن انطلاقًا من انتمائه لجغرافية صحراء جنوب المغرب؛ فنرى في عمله طرحًا جريئًا لأسئلة تحرج طبيعة الرمل. حين يرسمها ببذور تكفيها رائحة المياه كي تنشر اخضرارها، هكذا نشعر أيضًا بالجسد الممدد على السرير الذي هو جسده في الأساس، وكأنه يرغم جسدًا من الرمل على الاخضرار.ا



جزء من أعمال أميمة أبوزير السوعلي، تصوير: معاد البيساوي

جزء من أعمال أيمن الرشيدي، تصوير: معاد البيساوي


أما أميمة أبوزيد السوعلي، فقد اختارت الغرفة الأصغر حجمًا والأقل إضاءةً والأكثر حميميةً. تتوسط الشقة، تقلل انطباع الاتساع، وتضخم الإحساس بالدفء. ولا أعلم حقيقة؛ من اختار الٱخر أولًا، أميمة أم الغرفة؟ لكن يبدو أن ما تعرضه لنا أو ما تجهزه لنا قد نشأ بالتوافق بينهما. يشكل طابع الغرفة حجمها وإضاءتها وأحاسيسها البدوية، وما يحرك الإنتاج الفني لأميمة من تجهيز شمولي للفضاء صوتًا وحجمًا وإضاءةً. فنراها تروض هذه المساحة من خلال تجهيزات تدمج وسائط فنية مختلفة، فنشعر للحظة ما أننا في مكان ٱخر غير الذي دخلناه، أو على الأقل غير الذي انتظرناه. نسمع أصوات منبعثة من أسفل الأرض، ونرى صورة أعيد تمثيلها بمكونات من بيت جدها الريفي. كلها عناصر تكون هذا الظرف وتقلص المسافة بيننا وبين الريف، وبين لحظات مضت ولحظة تأملنا لهذا العمل، كأنه فضاء تم نقله مفككًا من زمان ومكان ما، ثم أعيد تركيبه بحس فني منفتح على إمكانيات صناعية جديدة. ا

بصفة عامة، فإن التجارب الثلاث، قد أتاحت لنا بشكل عابر إستيعاب عوالم فنانين عبروا أيضًا من هذه الفضاءات، فخلقوا عبرها ثلاث ظروف فنية أصيلة، بسيطة ومتخففة، تحكي ما تريد أن تحكيه ثم تعبر دون أن تثقلنا بالتشتت، وتعفينا من التعثر في التذوق.ا



معاد البيساوي‌، فنان مفاهيمي، ولد بمراكش، سنة ١٩٩٦، وتخرج من المعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان. تكشف أعماله‌ ‌الفنية عن مفاهيم وتصورات مربكة للوعي السياسي المعاصر.‌ ‌ويلجأ في جزء من ممارسته الفنية إلى الكتابة، مبرزًا الإهتمامات‌ ‌الموضوعية والأسلوببة المشتركة بين فناني جيله ومحيطه، وإيضاح امتداداتها في تشكيل وعي فني متقارب.‌ ا


 🇵🇸 We Will Not Stand by in Silence: ︎︎︎ Read the Statement & Add your Name to the Signatories ✦ 🇵🇸 Read the latest text by Karim Kattan, At the Threshold of Humanity: Gaza is not an Abstraction ✦ 🇵🇸 Visit our page Resources for Palestine for a compilation of texts, films, podcasts, statements and ways to donate. Arab Artists Now: A Tale Makes a Turn: Feminist Legacies Open Call for Artists
🇵🇸 We Will Not Stand by in Silence:  ︎︎︎ Read the Statement & Add your Name to the Signatories🇵🇸 Read the latest text by Karim Kattan, At the Threshold of Humanity: Gaza is not an Abstraction  ✦  🇵🇸 Visit our page Resources for Palestine for a compilation of texts, films, podcasts, statements and ways to donate. Arab Artists Now: A Tale Makes a Turn: Feminist Legacies Open Call for Artists  ✦